“ركي العظيم.. الي يزرعه يشوف الضيم”

خسائر بالملايين تلاحق مزارعي الرقي في ديالى
استبرق الزبيدي
طالما عُرف رقي العظيم بحلاوة مذاقه واحمرار لونه، حتى أصبح ماركة تنتجها قرى ناحية العظيم (كم شمال بعقوبة) ومنها يُسوق إلى مختلف مدن العراق حيث يحظى بسمعة رائعة.
وارتبطت سمعة هذا النوع من البطيخ الاحمر بالمثل الشعب” ركي العظيم الي يأكله ما يشوف الضيم” لكن الجانب الاخر وهم المزارعون يقول لسان حالهم “ركي العظيم.. الي يزرعه يشوف الضيم” في اشارة الى المأساة التي حلت على رأس زارعيه والخسائر المالية الهائلة التي اثقلت كاهلهم في هذا الموسم.

تقلبات التغير المناخي
في قرية البو خيال، زرع صلاح العزاوي دوانمه ال68 مثل كل عام ببذور الرقي لكنه لم يحصل هذه المرة الا على خسارة مالية هائلة.
حين زرع العزاوي البذور في بدايات الشتاء الماضي كان يأمل مع اسرته موسما زراعيا ناجحا، يضمن للعائلة دخلاً مناسبا، لكن موجة البرد الشديدة في شهر شباط حطمت المحصول بالكامل.
مع تصاعد تأثير ظاهرة التغير المناخي تزداد تقلبات الجو غير المتوقعة، واحيانا تكون اكثر شدة من المعتاد مما يتجاوز قدرة المحاصيل على التكيف مع هذه المتغيرات ليسبب خسائر غير متوقعة للمزارعين ايضا.
يقول العزاوي لشرق العراق انه اضطر للمجازفة وإعادة الزراعة من جديد على امل تعويض الخسائر لكنه مجددا تكبد خسائر مضاعفة.
حتى عندما نضجت الثمار وازداد لون الركي احمرارا من الداخل لم يجد العزاوي من يشتريه بسبب منافسة الرقي المستورد.
” بس بهذا الموسم خسرت 75 مليون دينار” يقول العزاوي بأسف.

بذور مغشوشة
يعاني المزارعون كذلك من انتشار بذور مغشوشة في الأسواق ويعتقدون انها وراء تراجع جودة المحصول احيانا
يسوق محصول رقي العظيم اطنانا اطنانا لمختلف محافظات العراق شمالا وجنوبا، لكن تراجع جودة المنتوج بالاضافة لمنافسة المستورد واسعاره المغرية تسببتا بتكدس الاف الاطنان بلا مشترين في ساحة التسويق المركزية وسط الناحية.
يقول العزاوي ” كنا نزرع بذور النيكارا العراقية، لكنها غُشت وفشلت، فاتجهنا إلى بذور الياقوت المستوردة التي حققت نجاحًا كبيراً في البداية وصرنا نصدر الرقي لخارج البلد، لكن في العامين الأخيرين تعرضنا لموجة جديدة من غش البذور”.

الاف الاطنان بلا مشترين
يواجه المزارعون الظروف البيئية وتقلبات المناخ المفاجئة لوحدهم ومن دون أي دعم، وخسائرهم التي بلغت لدى البعض نحو 200 مليون دينار جعلتهم يترددون في الاستمرار بهذه المهنة التي توارثوها عن اسلافهم.
يقول العزاوي ان الدولة لا تدعم المزارعين بأي شيء حتى بالبذور الذي يشترونه من الاسواق المحلية ب150 الف دينار لكل 25 كيلوغرام وغالبا ما تكون بذور مغشوشة.
على بعد مئات الامتار من ارض صلاح العزاوي، يعاني ابو محمد وهو مزارع اخر من تفاقم خسائره المالية، وهو مثل صلاح قد اعاد الزراعة مرتين هذا الموسم ولم تنجح.
“اول زراعة كلفتني ثلاثة ملايين والثانية خمسة ملايين، يعني بس شتل البذور وحده كلّفني ثمانية ملايين، والنتيجة المحصول كله بقي في الأرض بلا مشتر” يقول ابو محمد

ويضيف وهو يصفق يديه “اضطررت لشراء البذور بالدَين على أمل تسديده بعد الحصاد، لكن اسعار البيع لم تسترجع حتى رأس المال، وقررت أنني لن أزرع الموسم المقبل.”
صلاح ايضا يشاركه هذا القلق “غرقنا بالديون وبعضنا باع سيارته او جزء من ارضه لسد الدين”
“اليخسر هيج خسارة بعد ما يجازف ويزرع” يقول صلاح ذلك وهو يشير الى انخفاض عدد المزارعين في الموسم المقبل.
تحذيرات رسمية
ذكرى محمد، مديرة شعبة الإنتاج النباتي في زراعة ديالى، تحذر من أن استمرار التغيرات المناخية والجفاف يهدد مستقبل الزراعة في المحافظة اذ لم تتظافر الجهود الحكومية لإيجاد حلول عاجلة.
وتضيف “الزراعة عملية معقدة، وأغلب البذور المستخدمة اليوم مستوردة، حتى تلك التي يحتفظ بها الفلاحون. كما ان طرق الحفظ التقليدية تقلل من كفاءة البذور مع مرور الوقت، إذ أن جودتها تتراجع عند إعادة استخدامها لسنوات متتالية لغياب التجديد.“
كما وشددت على ضرورة مراعاة التغيرات المناخية، وتنظيم عمليات الري، والتوازن في التسميد، إضافة إلى مراجعة الدوائر الزراعية عند ظهور أي مشكلة، مؤكدة أن غياب الحلول الجذرية سيؤدي إلى تراجع الزراعة في ديالى بشكل خطير.

مصير مهدد
المزارعون في ناحية العظيم وعددهم بالالاف مهددين بفقدان مصدر معيشتهم الوحيد فيما لو استمرت سنوات الاحباط الزراعي وتفاقمت تأثيرات التغير المناخي، كما ان المذاق المميز للرقي التي تنتجه الناحية ويصل لكل مدن العراق شمالا وجنوبا مهدد بالنسيان او التهجين في ظل المنافسة غير العادلة مع الرقي المستورد والاهمال الذي يواجهه المزارعين.
يتغزل الباعة برقي العظيم ويوعدون متذوقيه بنسيان الضيم، فأي ضيم سيتذوقه العراقيون اذا ما تراجعت زراعتهم واستفحلت تأثيرات التغير المناخي ونقص المياه وترك المزارعين يواجهون كل ذلك بمفردهم.
تم انتاج هذا التقرير بدعم من مشروع “قريب” برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)