المرأة

استعاضت عن غياب زوجها بحب الزراعة “نجلاء” بنت المدينة التي تملكها الريف

ديالى – استبرق الزبيدي

في ٢٠١٩ اختطف الارهاب من حياة (نجلاء ياسين حسن علوان) ذات ال ٤٢ عاماً زوجها، الذي قتل على يد عناصر تنظيم داعش، عندما كان منهكا في عمله بإحدى حقول قضاء خانقين في محافظة ديالى.

اذ وجدت نجلاء نفسها أرملة وحيدة بصحبة بنتين وصبيين، سارة وهي بنتها البكر بعمر (١٨ عاماً)، وأصغرهم قطر الندى (١٢ عاماً)، اما الصبيان يعقوب (16) عاماً والاصغر منه ظاهر (١٤) عاماً.

ذلك الظرف دفع “نجلاء” الى ترك منطقة اللقمانية التابعة لناحية هبهب، تلك البلدة التي عاشت فيها ما يقارب (٢٠) عاماً مع زوجها، والعودة الى بيت أهلها في منطقة كاطون الرحمة، غربي مدينة بعقوبة.

ونظرا للظروف المعيشية الصعبة، بادر (الابن الأكبر) الى تحمل جزء من المسؤولية مع والدته، والعمل في محل لبيع الآلآت الزراعية منذ الصباح وحتى الغروب.

من المدينة الى الريف 

قبل أكثر من عقدين.. لم تتوقع نجلاء وهي تساق عروسا لزوجها الراحل (عبد اللطيف) ان تتقاذفها الاحداث بهذه الطريفة المؤلمة، فبنت المدينة البهية ذات الاحد والعشرون ربيعا، لم يخطر على بالها ان تقترن يوما من الأيام بمزارع من اهل قرية اللقمانية في ناحية هبهب، وتتخلى عن رفاهية حياة المدينة الى خشونة العيش في الريف.

فتقول، “دخلت كنة جديدة للبيت بنت مدينة لكني تكيفت مع المعيشة، وتعلمت الزراعة وبدأت اخرج مع عائلة زوجي للزراعة، واستمر هذا الحال حتى بعد استقلالنا وامتلاك بيت خاص بنا، اذ اضطررت الى اعانة زوجي بالمعيشة من خلال زراعة انواع متعددة من الخضار وبيعها”.

مبينة، “استمريت بذلك لما يقارب العشرين عاماً لحين استشهاد زوجي”.

نقطة التحول 

في عام ٢٠١٩ شهدت ديالى أكبر ازمة جفاف بسبب التغير المناخي وقلة الأمطار، مما ادى لتضرر القطاع الزراعي بشكل كبير.

تقول نجلاء، “الزرع صار لا يكفي توفير المعيشة لنا، فاضطر (عبد اللطيف) ان ينتقل الى قضاء خانقين ليعمل مربي في حقول لتربية الابقار والسمك”.

وتضيف، “في أحد ايام العمل هاجم داعش الحقل وقتل زوجي مع مجموعة من العاملين هناك”.

وتتابع والحزن باديا عليها، “صدمتي كانت كبيرة… ارملة مع ٤ أطفال بلا معيل؟”.

وكما هو متبع حسب الأعراف الاجتماعية في العراق كان لزوما على نجلاء العودة الى منزل ذويها بعد فقدان زوجها.

الا ان نجلاء اختارت بعد فترة وجيزة الاستقلال بنفسها، مفضلة استئجار منزل صغير يؤويها مع أبنائها على ان تكون عبئا على ـحد، كما تقول.

رحلة الكفاح

وتكشف نجلاء انها اضطرت الى العمل طباخة في منزل احدى أعضاء البرلمان، قبل ان تنتقل الأخيرة الى العاصمة بغداد، مما اضطرها للبحث عن فرصة عمل جديدة.

وتوضح، “خلال ذلك الوقت وجدت فرصة تدريب توفرها احدى المنظمات التي ترعى مشروعاً لدعم النساء الأرامل بالتعاون مع مركز التدريب المهني في بعقوبة”.

وتتابع، “لم يستغرق الوقت طويلا حتى اشتركت بورشة تدريبية مختصة بتربية نباتات الزينة استمرت اربعون يوماً على التوالي”.

وتعلق نجلاء، “ولعي في الزراعة دفعني برغبة شديدة لكسب خبرة جديدة في عالم الزراعة”.

ونظمت الورشة بالتعاون والشراكة بين مركز التدريب المهني في بعقوبة ومنظمة هيومن ابل، وبدعم منUNDP لمدة 40 يوماً في ناحية بهرز.

تقول نجلاء، “لم ـكن اعرف اي شيء يتعلق بزراعة وتربية نباتات الزينة وكيف اعتني بالنباتات الظلية، او اتعامل مع تلك النباتات ان مرضت”.

وتسترسل، “بدأت ازرع في البيت منذ الأيام الأولى للورشة وان أطبق كل ما تعلمته من المدرب وأجرب عملياً الى ان حولت بيتي لمشتل صغير”.

مبينة، “مع ازدياد خبرتي اتجهت للعمل بتنسيق الحدائق والبداية من بيت خالتي ثم توالت العروض”.

من جانبه أشاد مدرب الورشة محمد الباوي (ماجستير تخصص نباتات زينة) بمهارات نجلاء واندفاعها الشديد للتعلم، معلقا، “”نجلاء احدى المتدربات التي فاق تفاعلها مع التدريب التوقعات، فهي بعد كل محاضرة تعود لتطبيق ما تعلمته في بيتها”.

مشيرا، “سريعاً اكتسبت خبرة بفن التسويق والترويج، ولا زالت تتواصل معي باستمرار كلما واجهها اي تحدي مع النباتات التي تزرعها وترعاها”.

ويرى الباوي الورشة التدريبية انها أتت ثمارها، مبينا، “نجحت الورشة بإعداد 12 متدربة من الأرامل باشرن بأولى خطواتهن نحو مشاريعهن الخاصة فور اكتمال التدريب قبل اشهر قليلة”.

ما بين الطموح والواقع 

وبحسب نجلاء فإنها تطمح الى انشاء مشتل خاص بها لزراعة وبيع شتلات أشجار الزينة ونباتاتها، معلقة آمالها على قادم الأيام.

وتقول، “انه طموح مؤجل ربما تتحسن الظروف ونستطيع الحصول على راتب زوجي الشهيد بعد انجاز إجراءات التعويض المعقدة”.

مضيفة، “ما اريده الآن هو العمل بتنسيق المنازل كون ذلك يستهوي قلبي”.

يعقوب الابن الاكبر لنجلاء

ويؤيد يعقوب والدته معلقا، “والدتي تحب النباتات وتخاف عليها وبسببها ترفض الخروج من المنزل لساعات طويلة، وأحيانا لا تترك نباتاتها مطلقاً، وهي دقيقة وحريصة وتنتبه حتى الى ادق الأمور”.

أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى